تعرض الكورد الايزيديين الي اضطهادات مركبة كونهم كوردا من جهة واتباع ديانة تعرضت الي الظلم والتشويه والافتراء والارهاب الفكري والديني من جهة اخري وعلي امتداد حقب وقرون تاريخية متعاقبة جيلا بعد جيل وبشكل غير مسبوق اذ قل ان تعرضت ديانة الي حملات ابادة وقتولات وافتراءات تحريضية متعددة الذرائع والحجج وبشكل متواصل وعلي امتداد صفحات التاريخ اذ ان تاريخ هذه الديانة تاريخ حافل بالمآسي مثلما ع** اتباع هذه الديانة الصمود والتحدي والاصرار طوال هذه المدة الضاربة عمقا في التاريخ البشري.
والحقيقة ان ديناميكية هذه الديانة ومرونتها الواعية للتكيف مع الظروف والمستجدات التي واجهتها والقبول باجراء تعديلات ثانوية ابتغاء مجاراة الاخرين وبشكل لا تمس معه جوهر الاصول والاسس للديانة اثرت في مدها بأسباب البقاء اذ لولاها لاصبحت جزءاً من تلك الاديان المنقرضة والتي اختفت من الوجود لاسباب وعوامل شتي ليس اقلها الارهاب الفكري والديني.
ونظرا لشراسة الحملة ضد هذه الديانة التوحيدية ولفترات ومراحل تاريخية متعاقبة وكأنها موصي عليها بالاعتداءات فقد ادي بها ذلك الي الانكفاء والانغلاق علي نفسها مما ادي الي عدم التيسر في الاطلاع والمعرفة باصول هذه الديانة وتعاليمها وطقوسها فضلا علي اختفاء الاثر المكتوب حيث اعتمدت هذه الديانة علي الشفاهة في النقل خوفا من البطش في حالة وقوع اي نصوص كتابية بأيدي المناهضين الاعداء الذين.. يحرفونها ويعبئون العامة لشن حملات تترية عليهم لارغامهم علي التخلي عن معتقداتهم وقد لعبت الظروف الموضوعية المتمثلة باجراءات القمع والتنكيل والمطاردة الي جانب استمرار الايزيديين بمواصلة مسيرة الانغلاق التام دورا كبيرا في اكتناف هذه الديانة مزيدا من الغموض وتكريسه علي ارض الواقع بيد ان هذا الامر يع** بجلاء غياب التسامح الديني والاعتراف المتبادل بين الاديان المختلفة، ان رفض القبول باديان اخري وعدم اعتراف الاديان الواسعة الانتشار بحق الجماعات الدينية الصغيرة في اجراء مراسيم طقوسها وعاداتها بحرية وفرت الفرصة في تشويه الاديان المختلفة او المخالفة لدين الاكثرية او لدين الدولة الرسمي التي وظفت تلك التشوهات للحط من شأن الديانات الاخري بهدف تصفيتها وارغام اتباعها علي الانخراط في صفوف ديانات اخري. وتعد الديانة الايزيدية واحدة من تلك الديانات التي واجهت مواقف عنجهية صارمة حيث يجد المتتبع لاثارهم ان سيلا من الكتاب من مختلف الديانات مسلمين ومسيحيين عربا وقوميات اخري اسهمت بقسط وافر في حملات التشويه والتشهير بحقهم فمنهم من وضعها في خانة المسيحيين ومنهم من وضعها في خانة المسلمين باعتبارها فرقة اسلامية مرتدة عن ديانتها الاصلية، ومن المفارقات التاريخية المثيرة ان الديانات القديمة في بلاد ما بين النهرين او اعالي الفرات كانت اكثر اعترافا وتسامحا فيما بينها بل واكثر قربا لكن تغيرت الحال فيما بعد واصبحت في القرون الاخيرة من العهد القديم ولاسيما بعد سقوط الدولة الكلدانية سنة 539ق.م واحتلال بابل من قبل الاخمينيين في عهد كورش، ان الانغلاق الذي لف الايزيديين به انفسهم زاد من عمليات التعتيم ضدهم مما عدت ضمن الاسباب الذاتية التي ادت الي الحاق الاذي بهم علي ان الانغلاق كظاهرة وتقليد ديني يعد من التقاليد القديمة التي كانت تحصر العلوم والمعارف بطبقة الكهنة فقط وهو عليه ما جري في الاديان القديمة لبلاد ميسوبوتاميا.
تستند الديانة الايزيدية الي مصحفين هما (مصحف ر ه ش) اي المصحف الاسود ومصحف (الجلوه) فضلا علي كتاب (ووزز) المقدس الذي كتبه الشيخ حسن معتمدا علي ما وصلته من الاسلاف وافكار عادي بن مسافر وافكاره الذاتية ويشير مهردار ايزادي في كتابه (الكورد) الي ان اعدادا من (مصحف ره ش) تعود الي القرن الثالث عشر وقد كتبت باللهجة الكرمانجية الهكارية والمعروف ان الاديان السماوية وغير السماوية لم تدون كتبها المقدسة خلال فترات تبشير الانبياء والمصلحين بدياناتهم انما تم تدوينها بعد ذلك بفترات تاريخية متفاوتة.
وعن الديانة الايزدية التي اختلفت الاراء حولها وكثرت والتي ستساعد الاكتشافات الاركيولوجية في دعم هذه الفرضية او تلك وهناك ثلاث فرضيات حول الديانة الايزيدية ترجع كل منها هذه الديانة الي جذور معينة بالاستناد الي قراءاتها ودلائلها وفرضياتها.
تؤكد هذه الفرضية الاولي: بأن الديانة الايزيدية واحدة من اقدم ديانات بلاد مسيوبوتاميا القديمة المتميزة بخصوبة انتاج الديانات كالديانة السومرية والاكدية والبابلية والاشورية والكلدانية والتي لها علاقات متعددة الجوانب مع الديانة الايزيدية تؤكدها بعض الطقوس والادعية والاعياد والتعاويذ والاحتفالات التي احتفظت بها الديانة الايزيدية برغم تعاقب المراحل التاريخية وما تفرزه تلك المراحل من تحولات وبخاصة مرحلة الفتح الاسلامي، فالدراسات التاريخية تمدنا بسيل من الحقائق التاريخية حول ذلك وهي ليست بالشيء المستغرب لان الجماعة البشرية الايزيدية وجدت بالقرب من المنطقة التي وجدت فيها تلك الاديان. وكلمة يزيدي كما يشير د. خليل جندي في مؤلفه الموسوم (نحو معرفة حقيقة الديانة الايزيدية ) وردت في احد الاثار المكتوبة بالخط المسماري ويضيف: ( وهذا ما اكتشف مؤخرا علي يد خبراء في اللغات القديمة السومرية والبابلية والاشورية وان كلمة ايزيدي تعني الروح الخيرة وغير المتلوثة والتي تمشي علي الطريق الصحيح) ويعتقد بان تاريخ هذه الديانة يرجع الي الالف الثالث قبل الميلاد وهي من بقايا اقدم ديانة كوردية في منطقة الحضارات العظمي في الشرق (اي المعتقدات السومرية والبابلية القديمة). ويشير د. الجندي الي ان (تاريخ الحضارات القديمة اشارت الي ثلاثة من اكابر الالهة الايزيدية الذين يعدون من اركان الديانة وهم(الشيخ شمس) اله الشمس ويكتب بالسومرية (دينكر اوتو) ويدعي باللغة البابلية (شماس) والاله (الشيخ سن) اله القمر وهو اله ميسوبوتامي يسمي (نانا) وبالسومرية (رسين) بالبابلية وهو اله الخصوبة عند النساء و(الشيخ ادي) اله المطر والخير والبركة ويكتب بالسومرية (ايم) ويلفظ بصورة مختلفة في الشرق الاوسط وبشكل (أدد. ادي او دنوخ. حدد. حداد) وكون الاشوريين كانت لهم محبة خاصة للشيخ (ادي) فانهم لم يصوروه في نقوشهم الحجرية فحسب بل ورد عنه في الكثير من كتاباتهم كما يوجد هناك معبد له في قلب اشور في (لالش) كما ان طاووس ملك الاله الواحد ذو الثنائية في الواحد هو الرمز الاعلي المقدس لدي الايزيديين اينما وجدوا وهو ذات الاله المعبود الواحد الذي يشبه الاله (آن) او (انو) لدي السومريين والاله (مردوخ) المقدس لدي البابليين او الاله (اشور) المقدس لدي الاشوريين. كما ان احتفال الايزيديين بأول يوم الاربعاء من شهر نيسان كل عام باعتباره عيد رأس السنة الايزيدية يذكرنا باحتفالات البابليين باليوم الاول من نيسان باعتباره رأس السنة البابلية ويختلف هذا التاريخ عن موعد رأس السنة لدي الفرس او لدي الغالبية العظمي من الكورد حيث يعتبر (21) اذار عيد رأس السنة لدي الكورد والفرس معا ويتضح من هذا ان يوم الاربعاء هو يوم مقدس لدي الايزيديين والبابليين باعتباره يوم زواج الانبياء والاولياء عند الايزيديين ويوم زواج الالهة والملوك عند البابليين، ويذكر الباحث جورج حبيب في كتابه الموسوم (اليزيدية بقايا ديانة قديمة) حول الاعياد البابلية مبينا (ان عيد رأس السنة البابلي تقليد لاعياد قديمة سبقته تعود جذورها الي اواخر الالف الثالث قبل الميلاد) اي ايام حكم الامير السومري (كوديا) حاكم لكش حيث كانت هذه الاحتفالات تقوم في مدينة جرسو في بداية السنة وحيث كانت البلاد تحتفل بزواج الاله (ننجرسو) بالاله (باو) ومن الجدير بالذكر ان شهري اذار ونيسان تعد من اشهر الخصب والبركة التي تحتفل فيها الكثير من القبائل التي تعتمد علي الزراعة كونهما بداية الربيع حيث موعد الخير وهناك سمات مشتركة متقاربة بين الاله (انو) السومري والاله(نابو) البابلي وطاووس ملك الايزيدي فرمز هؤلاء الالهة الثلاث مرتبطة بقضايا التنجيم والفلك عطارد الذي يشير الي يوم الاربعاء المقدس لدي البابليين والايزديين كما مر ذكره والذي يرمز بدوره لطاووس ملك.
والرمز الذي يجسده عطارد هو شاب يمتطي طاووس بيمناه حية وبيسراه لوح يقرأه فيما صورته الاخري هي رجل جالس علي كرسي بيده مصحف يقرأه وعلي رأسه تاج وعليه ثياب صفر وخضر ويشير الرمز المنقوش علي باب لالش الي تأكيد هذه العلاقة الرمزية القديمة خاصة وجود اللوح المحفوظ عند طاووس ملك وهو المنفذ لاوامر الله وهو الوسيط الشفيع وهو الذي يتصرف وفق حكمة الله علي الارض فضلا علي وجود شكل الحية علي احد جوانب البوابة. ولقد لعبت الحية دورا في ميثيولوجيا القبائل والشعوب المختلفة بمن فيهم العرب كما تجلت بادوار مختلفة فهي رمز الحكمة والدهاء او ارتباط الحياة بالموت او الخير بالشر وتتحدث جملة من الحكايات المدونة او تلك المنقولة شفاها عن لسان الشعوب والتي تتحدث عن الحية بشكل يبعث علي التهيب والخوف معا وفي ميثيولوجيا الايزيدية تظهر الحية في طاووس ملك كما انها منقوشة في مراقد الايزيديين المقدسة وبخاصة علي الباب الرئيس لمرقد الشيخ (ادي) في جبل لالش، ويقول الايزيديون بوجود صورتين علي باب الجنة احداهما لطير طاووس والثانية للحية لدورها في سد الثقب الذي طال سفينة نوح جراء اصطدامها بجبل سنجار ومنعت السفينة من الغرق. ثم ان الالهة الثلاث (آنو، ونابو، وطاووس ملك) تتجسد فيهم الثنائية في الواحد حيث قوي النور والظلام وكذلك الخير والشر في وقت واحد. فالاله (آنو) هو اله السماء التي تشرق منها الشمس المضيئة والدافئة والباعثة للحياة وهي ذات الشمس التي يتوجه نحوها الايزيديون عند الصلاة. تشير الدراسات التاريخية الي منطقة عين سفني القريبة من منطقة باعزره في قضاء الشيخان حيث يوجد فيها معبد (الشيخ عادي) في وادي لالش المقدس هو عين المكان الذي صنعت فيه السفينة لمواجهة الطوفان وفق الميثولوجيا الايزيدية كما انها اول بقعة يابسة ظهرت بعد انحسار الماء وبالقرب من هذا الموقع المقدس لدي الايزيديين هناك معبد الاله (نابو) في مدينة نمرود الذي بلغت الجماعة الدينية المقترنة باسمه الذروة في القرن التاسع الميلادي وسمي معبد (نابو) باسم ايزيدي والتي تعني عباد الله وهو ذات الاسم الذي يطلق علي الايزيديين ومن الجدير ذكره بان الاله (نابو) كان موضع تبجيل الاشوريين الذين عدوه ابنا (مردوخ) ينبوع الحكمة ويشير موقف الاشوريين هذا الي حجم مراعاة شعور البابليين مما يع** التسامح الديني كحقيقة بين السكان انذاك وقد اشيع حول الايزيديين تهمة غادرة تع** حجم الاستهداف والقمع عندما اطلق عليهم عبدة الشيطان وهي تهمة باطلة وتسمية تعسفية اطلقت عليهم جزافا اطلقها الوزير العثماني في العراق احمد باشا بعد ان احدث بينهم مقتلة كبيرة بلغت حد قطع الرؤوس وارسالها الي اسطنبول في عملية سبي ستطال عارها التاريخ العثماني الحافل بالمآسي والاعتداءات وقد وقعت تلك الاحداث عام 1791 كما اشاع هذه التسمية كثقافة وتاريخ الاب انستاس الكرملي الذي ادي الكشف عن كتابي اليزيديين المقدسين بدعوي غير مقنعة وفي عودة الي الميثولوجيا والتراث السومري نجد ان (انليل) اله الارض والسماء ابي الاله (انو) اله السماء والذي ولد من اتحاد (انو) و (كي) اله المياه المحيط بالارض وكانت (نينليل) اله الحبوب قرينة انليل وابنهما كان (نانا) اله القمر وهناك ثلاث مسائل وامور يلتقي فيها الايزيدون بالبابلين في الجانب الديني اولها صيانة اسرار الديانة وعدم البوح بها والحفاظ علي طقوسها والتي يمارسها الشيوخ والكهنة والتي لا يجوز سردها خارج دائرتهم الدينية المغلقة حيث تنتقل من الاباء الي الابناء عبر الاستظهار كما تستخدم لغة سرية لا يفهمها عامة الناس وثانيهما تطبيق مبدأ الوارثة في المراكز الدينية وثالثهما التراتبية الدينية. فيما تشير الفرضية الثانية الي ان الديانة الايزيدية واحدة من اقدم الديانات المستقلة وقد ظهرت الي الوجود نتيجة التداخل بين الديانات الابعد قدما واستقرت بالشكل الذي استقرت عليه او لربما انحدرت منها اساسا ومنها استمدت اصولها وتشكلت طقوسها وعاداتها واساطيرها وحكاياتها.
فالمصادر التاريخية التي تتبني هذه الفرضية تشير الي ان مدينة (يزد) الواقعة في منطقة خراسان الايرانية القريبة من الحدود الافغانية هي الموطن الاساسي لهذه الديانة ومنها انطلقت غربا الي كوردستان الشرقية والجنوبية والشمالية حتي تخوم مدينة حلب السورية فيما بينت مصادر اخري ان اصل التسمية الايزيدية والتي ظهرت الي الوجود مطلع القرن التاسع الميلادي جاءت من هجرتهم لمدينة (يزد) الموطن الاساس للديانة الزرادشتية قبلها وانتشروا في بقاع مختلفة وقد زعم اخرون بان التسمية استمدت من المفردة الايرانية (يزدان) والتي تعني الذات الالهية وكلمة (ايزيدي) التي تعني عباد الله وقد ورد مثل هذا كما مر ذكره باطلاق التسمية علي معبد الاله (بانو).. فيما يؤكد تاريخ الشعب الكوردي بان الكورد كانوا من اتباع الديانة الزرادشيتة او الميثرائية قبل اعتناقهم الدين الاسلامي الحنيف وان مجموعات منهم رفضت الانخراط في هذا الدين الجديد وحافظت علي ديانتها الاصلية وطقوسها القريبة من الزرفانية او الميثرائية او الزرادشتية وتؤكد العديد من المصادر بان الموطن الاصلي للديانة هو منطقة كوردستان الشمالي وبالتحديد منطقة حكاري ضمن كوردستان تركيا.
الثلاثاء مايو 17, 2011 10:00 am
